عضو جديد | تسجيل دخول |
-
- صبره صلى الله عليه وسلم
- صدقه صلى الله عليه وسلم
- رحمته صلى الله عليه وسلم
- رفقه ولينة صلى الله عليه وسلم
- كرمه صلى الله عليه وسلم
- حياؤه صلى الله عليه وسلم
- تواضعه صلى الله عليه وسلم
- زهده صلى الله عليه وسلم
- أمانته صلى الله عليه وسلم
- إخلاصه صلى الله عليه وسلم
- وفاؤه صلى الله عليه وسلم
- حلمه صلى الله عليه وسلم
- ذكاؤه صلى الله عليه وسلم
- شجاعته صلى الله عليه وسلم
- رفقه صلى الله عليه وسلم بالحيوان
-
- نسبه صلى الله عليه وسلم
- خِلقته صلى الله عليه وسلم
- زوجاته صلى الله عليه وسلم
- أولاده صلى الله عليه وسلم
- خدمه صلى الله عليه وسلم
- غزواته صلى الله عليه وسلم
- كُتَّابه صلى الله عليه وسلم
- مُؤذِّنوه صلى الله عليه وسلم
- حُرَّاسه صلى الله عليه وسلم
- شعراؤه صلى الله عليه وسلم
- بيته صلى الله عليه وسلم
- دوابه صلى الله عليه وسلم
- سيوفه صلى الله عليه وسلم
- لباسه صلى الله عليه وسلم
4927
1- عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه قال: "بعث عليُّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ (أي جلد مدبوغ)، لم تُحصّل (تصف) من ترابها، قال فقسمها بين أربعة نفر:
بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة وإمّا عامر بن الطّفيل، فقال رجل من أصحابه: "كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحاً ومساء؟)) قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين (غليظهما)، ناشز الجبهة (مرتفع)، كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار فقال: يا رسول اللّه اتّق اللّه! قال: ((ويلك: أو لست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي اللّه؟))، قال: ثمّ ولّى الرّجل.
قال خالد بن الوليد: يا رسول اللّه ألا أضرب عنقه؟ قال: ((لا؛ لعلّه أن يكون يصلّي))، فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس، ولا أشقّ بطونهم))، قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ فقال: ((إنّه يخرج من ضئضىء (صلبه) هذا قوم يتلون كتاب اللّه رطباً لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة))، وأظنّه قال: ((لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود)) رواه مسلم برقم (1064).
2- وعن عائشة - رضي اللّه عنها - قالت: كان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثوبان قطريّان غليظان، فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه، فقدم بزّ من الشّام لفلان اليهوديّ، فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد، إنّما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((كذب، قد علم أنّي من أتقاهم للّه، وآداهم للأمانة)) رواه الترمذي برقم (1213).
3- وعن مجاهد عن مولاه - وهو السائب بن عبد الله - أنه حدثه: "أنه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهلية، قال: ولي حجر أنا نحته بيدي أعبده من دون الله تبارك وتعالى، فأجئ باللبن الخاثر الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه، فيجيء الكلب فيلحسه، ثم يشغر فيبول، فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر - وما يرى الحجر أحد - فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل، فقال: بطن من قريش نحن نضعه، وقال آخرون: نحن نضعه، فقالوا: اجعلوا بينكم حكماً، قالوا: أول رجل يطلع من الفج؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتاكم الأمين، فقالوا له فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه؛ فوضعه هو صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد برقم (15543).
4- وعن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار – النجاشي -، أمنا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدماً كثيراً ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمْرَهم وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم، قالت: فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار، وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قالا لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم.
فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله أيم الله إذن لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قوماً جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي؛ حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه، قالوا: نقول: والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم، فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم؟
قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة، والصيام، فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا...". رواه أحمد برقم (21460).
5- وعن عبد الله بن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره "أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش - وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش -؛ فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، فقال: أبو سفيان فقلت: أنا أقربهم نسباً، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، - فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عنه -، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟، فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة، والصدق والعفاف، والصلة، فقال للترجمان قل له: سألتك عن نسبه..." إلى أن قال: "...وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه..." رواه البخاري برقم (6).
"الصادق الأمين، أتاكم الأمين" هكذا كانت قريش تنعت نبينا صلى الله عليه وسلم في الجاهلية على كل أحواله إذا جاء وإذا ذهب، إذا بدا وإذا غاب، والحق ما شهدت به الأعداء.
وما كانت قريش لتشهد له بذلك لولا ما رأت فيه من عظيم الأمانة التي اتصف بها منذ نشأته، وقبيل بعثته، وبلغ بها شأناً بين أهل مكة جعلتهم يحكمونه في خصوماتهم، ويستودعونه أماناتهم، وما حفظت عنه غدرة، ولا عرفت له في أمانته زلة.
ولما بعثه ربه إلى الناس رسولاً عاداه أهل مكة، وآذوه، وسعوا للبطش به، ومع هذا لم يزالوا يضعون ودائعهم عنده؛ فما خانهم ولا فجعهم فيها، بل حفظها لهم، ولما هاجر خلَّف ابن عمه علي بن أبي طالب وراءه لا لشيء إلا ليرد تلك الودائع، ولك أن تسأل بِطَاح مكة تصدقك الخبر
هذا الأمين فيا قريش تحدثي عن صدقه سترين منزله غداً
مواقف سار بخبرها الركبان، واخترق سناها حُجبَ الزمان، تنبئك عن نفس عظيمة بخلال كريمة، سكنت ذلك الجسد المحمدي.
حرص أن يقرر هذه الخصلة في نفوس أصحابه من الوهلة الأولى، فكان من أوائلِ ما دعا الناسَ إليه إبَّان بعثته صلى الله عليه وسلم: أداءُ الأمانة كما أخبر بذلك ابن عمه جعفرُ بن أبي طالب رضي الله عنه النجاشيَّ لما سألهم عن دينهم، ولم يكتف بهذا فحسب بل رتَّب على غيابها نفي الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)).
إنها الأمانة التي لو تجسدت في شخص لكانت في ذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم، فهو من تخوَّل مقام الأمين لأهل السماء كما أخبر بذلك عن نفسه، وما كان لينالها لولا جلالة أمانته، وسمو مناقبه، وعلو قدره عند ربه صلى الله عليه وسلم.
أبهر قريش ما رأوه في النبي صلى الله عليه وسلم من رفيع الورع والأمانة، حتى لم يستطيعوا أن يكتموا ذلك، وهم من يبحثون عن قشة يجعلونها جبلاً لينالوا بها من شخصه صلى الله عليه وسلم، لكن هيهات هيهات.
انظر إلى النضر بن الحارث - وهو من ألد أعداء الدعوة - يقوم في قريش أول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "يا معشر قريش: لقد كان محمد فيكم غلاماً حَدَثاً: أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة..."، هنا أستوقفك لحظة لأدع لك الحكم والتصور والتخيل، عدو للدعوة لدود، ومع هذا يشهد لصاحب الدعوة بعظم أمانته، فماذا تسمون هذا؟
ومشهد آخر لرجل ناوأ الدعوة قبل إسلامه، واستفرغ وسعه للنيل من حاملها؛ إنه أبو سفيان رضي الله عنه؛ لما سأله عظيم الروم هرقل قبل إسلامه عما يأمر هذا النبي به قال: "...يأمرنا بالصلاة والصدق، والعفاف والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة"، فما كان من هرقل الروم إلا أن شهد له شهادة صعق بها أباطرة الكفر قال: "وَهَذِهِ صِفَةُ النبي".
يا كرام: هذه قريش تعقد المؤتمرات، ترقب السوءات، تتبادل الآراء، تمكر بالليل والنهار؛ تبحث عن نقيصة تلصقها بأشرف مخلوق؛ فإذا ما تحدثوا عن أمانته أذعنوا وأقرُّوا وهم يتمنون لو ألجمت أفواههم فلا ينطقون بالحقيقة، وحسبه هذه المكرمة.
عجباً لهم شهدوا له بأمانةٍ حتى إذا أَدَّى الأمانة كذَّبوا
ولقد دفعت أمانته خديجة بنت خويلد رضي الله عنه إلى استئمانه على أموالها ليتَّجر بها، فيُربحَها ضِعْفَ ما كان يُربحُهَا غيرَه، فما كتمها شيئاً، ولا أخفى عنها أمراً؛ مما أطمعها في الارتباط به، فأرسلت إليه تعرض عليه الزواج، فَقَبِل وكانت هي زوجتَه الأولى، وأولَ من صدقه واتبعه من الناس.
إنها يا قوم الأمانة التي يتبوأ بها صاحبها منزلة عالية في قلوب المخلوقين، ناهيك عن المنزلة التي يتبوأها عند الخالق جل جلاله؛ الأمانة التي عُلق الفلاح لمن التزم غرزها، وسار بها بين الناس، هاكم نبأ ذلك في كتاب ربكم وهو يستعرض صفات أهل الفلاح قائلا: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(المؤمنون:8).
ما من أمانة تحملها النبي صلى الله عليه وسلم أثقل من تبعات هذا الدين إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(المزمل:5)، ولقد أمره ربه ببلاغه للناس فقال:يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ(المائدة:67)فكان أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أهلاً لما حُمِّل، مؤدياً لما خوِّل، فبلَّغه القاصي والداني؛ لا يقيل ولا يستقيل.
ساومته قريش على التخلي عن هذه الأمانة العظيمة فما طاوعهم، ثم ساوموه على الإخلال بها حين دعوه ليعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة فكان جوابه لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(الكافرون:6).
أمانته بسببها أوذي في الله تعالى، وحُوصِر ذووه في الشعب سنوات ثلاث سنين جاعوا فيها جوعاً شديداً، وهلك منهم من هلك.
أمانته التي بسببها خنقه بعض المشركين حتى كاد يلفظ أنفاسه، ووضعوا سلا الجزور على ظهره وهو محني الرأس ساجد لخالقه.
أمانته بسببها أُخرج من بلده، وعُذب أصحابه، وأُخرج أتباعه وهاموا في الأرض؛ يلتمسون النصير والمجير.
ولقد دافع عن أمانته حتى شُجَّ رأسُه، وكُسرت رَبَاعيته في أحد، وهُشمت البيضة على هامته؛ فما لانت عريكته، ولا وهنت عزيمته، وما زادته المحن والبلايا إلا إصرارا على أداء الأمانة، وتبليغ الرسالة، حتى أكمل الله تعالى به الدين، ووصلت بسببه رسالة الهدى إلى العالمين.
وها نحن اليوم بعدما يزيد على ألفٍ وأربعِ مئةٍ سنة نتظلل تحت فيء أمانته التي أداها، وننعم بشريعته بعد أن بلغها.
فرحمة الله على تلك الروح الزكية، والنفس الرضية، نشهد لك كما شهد أصحابك بأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة.
فيا أيها الحادي: إن من مبدأ التأسي بالهادي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن نكون أُمناء فيما حُمِّلنا من أمانات، وأعظمها وأجلها هذا الدين العظيم الذي ندين به، فلا تَحِد عن الطريق، وارع الأمانة، ولا تخفر العهد، وليرعاك الرب.