عضو جديد تسجيل دخول
 حق المسلم على المسلم عظيم قد بينه صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((حق المسلم على المسلم ست))، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته-وفي رواية: فشمته - وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)).
4063
4 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.
1- (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا) (الإسراء: 34).
2- (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة :1).
3- وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ((يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً)) (رواه البخاري (1078) ومسلم (2820)، واللفظ له.
4- وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: ((أتدرون أي يوم هذا)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: ((أليس يوم النحر)) قلنا: بلى، قال: ((أي شهر هذا)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس ذو الحجة)) قلنا: بلى، قال: ((أي بلد هذا)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: ((أليست بالبلدة الحرام)) قلنا: بلى، قال: ((فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت)) قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) رواه البخاري (1654).
5- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة؛ فارتاع لذلك، فقال: ((اللهم هالة)) قالت: فغِرتُ، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيراً منها" رواه البخاري (3610).
6- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: ((إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد)) صحيح البخاري برقم (3607).
7- وعن عائشة رضي اله عنه قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنت؟)) قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: ((بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ )) قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال، فقال: ((إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان))[1].
8- وعن أبي رافع رضي اللّه عنه قال: "بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أُلقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول اللّه إنّي واللّه لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّي لا أخيس بالعهد (لا أنقضه)، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الّذي في نفسك الآن فارجع)) قال: فذهبت ثمّ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت"[2].
9- وعن المسور بن مخرمة ومروان رضي اللّه عنهما قالا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زمن الحديبية، ... وفيه (بعد أن أتموا وثيقة الصلح) دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده (أي يمشي مشياً بطيئاً بسبب القيد)، وقد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنّا لم نقض الكتاب بعد)) قال: فو اللّه إذا لم أصالحك على شيء أبداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأجزه لي))، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: ((بلى فافعل))، قال: ما أنا بفاعل... ثمّ رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير - رجل من قريش - وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا؛ فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين: واللّه إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّداً، فاستلّه الآخر فقال: أجل، واللّه إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه، فضربه حتّى برد (أي حتى مات)، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين رآه: ((لقد رأى هذا ذعراً)) فلمّا انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل واللّه صاحبي وإنّي لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبيّ اللّه قد واللّه أوفى اللّه ذمّتك، قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني اللّه منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويل أمّه مسعر حرب لو كان له أحد)) فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم ...)) رواه البخاري (2581).
10- وعن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنهما قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلّا أنّي خرجت أنا وأبو حسيل، قال: فأخذنا كفّار قريش، قالوا: إنّكم تريدون محمّداً؟ فقلنا: ما نريده ما نريد إلّا المدينة، فأخذوا منّا عهد اللّه وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرناه الخبر، فقال: ((انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين اللّه عليهم)) رواه مسلم (1787).
11- وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: بينما يهوديّ يعرض سلعته أعطي بها شيئاً كرهه، فقال: لا والّذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والّذي اصطفى موسى على البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم إنّ لي ذمّة وعهداً، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: ((لم لطمت وجهه؟)) فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي في وجهه، ثمّ قال: ((لا تفضّلوا بين أولياء اللّه، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء اللّه، ثمّ ينفخ فيه أخرى فأكون أوّل من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور، أم بعث قبلي) رواه البخاري (3233) واللفظ له. ومسلم(2373).
12- وعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على جمل ثَفَال (أي بطيء السير) إنّما هو في آخر القوم، فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من هذا؟)) قلت: جابر بن عبداللّه، قال:((مالك؟)) قلت: إنّي على جمل ثفال، قال: ((أمعك قضيب؟)) قلت: نعم، قال: ((أعطنيه) فأعطيته، فضربه فزجره، فكان من ذلك المكان من أوّل القوم،قال: ((بعنيه))، فقلت: بل هو لك يا رسول اللّه، قال:((بل بعينه، قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره (ولك ظهره إلى المدينة: أي تركبه إلى المدينة) إلى المدينة)) فلمّا دنونا من المدينة أخذت أرتحل، قال: ((أين تريد؟)) قلت: تزوّجت امرأة قد خلا منها،قال: ((فهلّا جارية تلاعبها وتلاعبك؟)) قلت: إنّ أبي توفّي وترك بنات فأردت أن أنكح امرأة قد جرّبت، خلا منها، قال: ((فذلك)) فلمّا قدمنا المدينة، قال: ((يا بلال اقضه، وزده)) فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً،قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد اللّه" (رواه البخاري(2185).
13- وفي حديث عمران بن حصين الطويل وفيه: "وأسرت امرأة من الأنصار، وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق؛ فأتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ، قال: وناقة منوقة، فقعدت في عجزها ثم زجرتها، فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: ((سبحان الله؛ بئسما جزتها، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد)) رواه مسلم (1641).
14- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان المسجد مسقوفاً على جذوع من نخل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر، وكان عليه؛ فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار (هي الحوامل من الإبل)، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت" رواه البخاري (3392).
15- وعن أبي حميد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وساق الحديث وفيه: ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث)) فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة، فقال: ((هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه) رواه البخاري (4160) ومسلم (1392).

[1] رواه الحاكم في المستدرك(40)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد اتفقا على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة وليس له علة".، وقال الألباني: "صحيح" كما في السلسلة الصحيحة، رقم( 216).
[2] رواه أبو داود (2758) وقال الألباني: "صحيح" كما في السلسلة الصحيحة رقم (702).
من بديع الخصال، وجميل الخلال التي تخلّق بها سيد ولد عدنان عليه الصلاة والسلام خلق الوفاء، فهو صلى الله عليه وسلم:
أبر وأوفى من تقمص وارتدى       وأوثقهم عهداً وأطولهم يداً
 
إنه سيد الأوفياء عليه الصلاة والسلام، به يُضرب المثل الأعلى إذ كانت حياته كلها وفاءً، فهو أوفى الناس مع ربه تبارك وتعالى، ومع نفسه بالبحث عن خيرها في الدنيا والآخرة، ومع غيره: فتراه وفياً لزوجاته، وأقاربه، وأصحابه، وحتى مع أعدائه!.
 
ودعونا نتحدث عن وفاءه مع ربه تبارك وتعالى الذي تمثل في قيامه بالطاعة والعبادة على أكمل الوجوه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فتقول له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
 
ومن وفائه صلى الله عليه وسلم أنه وفى وفاءً كاملاً بالميثاق الذي أخذه الله عليه: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ ...، فما مات حتى بلَّغ هذا الدين كاملاً، ووضحه وضوحاً كافياً؛ ولقد خطب في الصحابة آخر حياته (يوم النحر) خطبة عصماء فكان مما قال فيها: ((ألا هل بلغت؟))، فقال الصحابة: "نعم"، فقال: ((اللهم اشهد)).

فوفاؤه مع الله تبارك وتعالى كان بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وإخلاص العمل له سبحانه، وبذل الغالي والنفيس في سبيل نصرة دينه؛ وهذا من أعظم أنواع الوفاء، جعلنا الله عز وجل ممن سلك طريق سنته، واقتفى أثره.

بالوفاء الجميل تخلَّق النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد كان صلى الله عليه وسلم أحفظ الخلق للعهد والميثاق، لم يخفر ذمة، ولم ينقض عهداً، ولم يخلف وعداً، بل كان يحسن إحساناً منقطع النظير لمن أسدى إليه معروفاً، وربما برز ذلك جلياً في وفائه عليه الصلاة والسلام لزوجاته رضي الله عنهن، فقد حفظ لخديجة رضي الله عنها مواقفها العظيمة، وبذلها السخي، وعقلها الراجح، وتضحياتها المتعددة، فلم يتزوج عليها في حياتها وفاءً لها، وكان بعد موتها يصل أقرباءها، ويحسن إلى صديقاتها، ويلهج بالثناء عليها وذكرها حتى ربما قالت عائشة له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: ((إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد))، كلمات يستلهم منها الأزواج معاني البر والوفاء.
 
ذات يوم زارته بالمدينة سيدة عجوز؛ فخفَّ عليه الصلاة والسلام للقائها بحفاوة بالغة، وغبطة حافلة، وأسرع فجاء ببردته وبسطها على الأرض لتجلس عليها العجوز؛ وبعد انصرافها سألته عائشة رضي الله عنها عن سر حفاوته بها فقال: ((إنها كانت تأتينا زمن خديجة)).
 
بل كان من وفائه صلى الله عليه وسلم أنه لم ينس مواقف عمه أبي طالب من التربية والرعاية والنصرة؛ فكان شديد الحرص على هدايته حتى قبل موته بلحظات، بل استغفر له بعد موته إلى أن أنزل الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ.

ومن وفائه صلى الله عليه وسلم وفاؤه لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وتجلى بعض هذا الوفاء في موقفه مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عند وقوعه في خطئه العظيم بإفشاء سر النبي صلى الله عليه وسلم في أشد المواقف خطورة: موقف الحرب الذي لا تغفر البشرية لمثله؛ فقد كتب حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم بجيشه لفتح مكة، فلما أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا العمل، ومكّنه من إحباطه؛ طلب بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ضرب عنق حاطب؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعلّ الله اطّلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))، وهذا الوفاء منه صلى الله عليه وسلم مثال يحتذي به كل قائد في رعاية العهد لأصحابه، وحفظ السابقة لهم، رزقنا الله وإياكم اتباع سنته، والاقتداء بهديه.

لم يقتصر وفاء النبي صلى الله عليه وسلم على محبيه ومتبعيه، بل شمل أعداءه الذين ناصبوه العداء، وحاولوا تشويه سمعته، وصدوا عن دعوته بكل الوسائل، ومع ذلك كان وفاؤه بكل ما أبرمه معهم من عهود ومواثيق طبعاً فيه لم يتخل عنه، أو يندم عليه.
 
ولم يجد أعداؤه بداً من الاعتراف بهذه الخلَّة الجميلة التي اتصف بها، ولم يستطيعوا إخفاءها يقول أبو سفيان قبل أن يسلم عندما سألَه هرقل: أيغدُر محمَّد؟ قال: "لا".
 
ومن أعظم صور وفائه لأعدائِه: وفاؤه بصلح الحديْبية، وردِّه لأبي جندل، وأبي بصير رضي الله عنهما إلى قريش، مع ما كانا يلاقيان من العذاب على يد كفار قريش، كل ذلك وفاء منه بما عاهد عليه قريش.  
وهذا أبو رافع يأتي المدينة رسولا من قريش، فيرى صاحبَ الوجه المشرق والجبين الأزهر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فينشرح صدره للإسلام ويعزم الدخول فيه، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: ((إنّي لا أخيس (أي أنقض) بالعهد، ولا أحبس البُرُد (أي الرُسل)، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الّذي في نفسك الآن فارجع)).

ومن وفاءه بعهوده عليه الصلاة والسلام مع الكفار أنه لم يقبل من حذيفة بن اليمان وأبي حسيل أن يقاتلا معه كفار قريش لأنهم أخذوا منهما عهداً ألا يقاتلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلما أتيا إليه عليه الصلاة والسلام، وأخبراه بخبرهما قال عليه الصلاة والسلام: ((انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين اللّه عليهم)).

لم يقتصر خلق الوفاء عند النبي عليه الصلاة والسلام على بني البشر؛ بل شمل ذلك الحيوان والشجر والحجر، ومن ذلك ما جاء أن الكفار أسروا امرأة مسلِمة، وكانوا أصابوا من قبل ناقة رسول الله عليه الصلاة والسلام العضباء؛ فلما رأت هذه المرأة من القوم غفلة ركبت ناقة رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى أتت المدينة، وكانت قد نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما وصل خبرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سبحان الله؛ بئسما جزتها، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها؛ لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد)).
 
ووفى عليه الصلاة والسلام مع جذع كان يخطب عليه يوم الجمعة، فلما صُنِع له منبر صعد عليه صلى الله عليه وسلم وترك الجذع، فحنَّ الجذع أثناء الخطبة حنين الصبي شوقاً إلى الذكر، وحزناً على ذلك الجسد الشريف الذي كان يقعد عليه، وفي لمسة وفاء ينزل عليه الصلاة والسلام أثناء خطبته، ويضمه إليه، ويلتزِمه حتى يسكن، ثم يقول: ((والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال يحنُّ إلى يوم القيامة)).
 
بل كان من وفائه صلى الله عليه وسلم ما سما لحجارة صمَّاء حازت منه على عبارات الحبّ والوفاء، فإنه عاد ذات مرة من إحدى غزواته فظهر له جبل أحد، فقال: ((هذا أحد جبل يحبنا ونحبه)).

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى التخلق بهذا الخلق النبوي الأصيل، وأن يصرف عنا جميعاً خُلقَ كل غدار لئيم، وأن يجمعنا في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

8 + 5 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.