عضو جديد تسجيل دخول
 حق المسلم على المسلم عظيم قد بينه صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((حق المسلم على المسلم ست))، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته-وفي رواية: فشمته - وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)).
6197
10 + 10 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.
1- عن عبد الله بن بسر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة - يقال لها الغراء - يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة - يعنى وقد ثرد فيها -، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا من حواليها، ودعوا ذروتها؛ يبارك فيها)) رواه أبو داود برقم (3775)، وصححه الألباني.
2- وعن عبد الله بن عمرو قال: ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئاً قط. رواه أبو داود برقم (3772)، وصححه الألباني.
3- وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه. رواه النسائي برقم (256)، وصححه الألباني.
4- وعن أنس بن مالك قال: "ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة - السكرجة: قصاع يوضع فيها المشهيات - ولا خبز له مرقق"، قال يونس: فقلت لقتادة: فعلام كان يأكل؟ قال: على هذه السفرة" رواه البخاري برقم (5071).
5- وعن عبد الرحمن بن جبير: أنه حدثه رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثمان سنين - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعامه يقول: ((بسم الله))، وإذا فرغ من طعامه قال: ((اللهم أطعمت وأسقيت، وأغنيت وأقنيت، وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت)) رواه أحمد برقم (16646)، قال الأرنؤوط: إسناده صحيحه ورجاله ثقات.
6- وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاماً في ستة نفر من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما أنه لو كان قال: بسم الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: بسم الله، فإن نسي أن يقول بسم الله في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره)) رواه ابن ماجه برقم (3264)، وصححه الألباني.
7- وعن حفصة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم... يجعل يمينه لأكله، وشربه، ووضوئه، وثيابه، وأخذه، وعطائه، ويجعل شماله لما سوى ذلك" رواه أحمد برقم (26507)، قال الأرنؤوط: صحيح لغيره.
8- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فجاء بخبز وزيت، فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة)) رواه أبو داود برقم (3856)، وصححه الألباني.
9- وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي، قال: فقربنا إليه طعاماً ووطبة - الوطبة: الحيس يجمع التمر البرني، والأقط المدقوق، والسمن - فأكل منها، ثم أتي بتمر فكان يأكله، ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى (قال شعبة هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين)، ثم أُتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فلما قام أبي أخذ بلجام دابته، وقال: ادع الله لنا فقال: ((اللهم بارك لهم في ما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم)) رواه مسلم برقم (3731).
10- عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي، أنهم قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نأكل ولا نشبع، قال: ((فلعلكم تأكلون مفترقين؟))، قالوا: نعم، قال: ((فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه؛ يبارك لكم فيه))، رواه ابن ماجه برقم (3286)، وحسنه الألباني.
11- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) رواه أبو داود برقم (4834)، وحسنه الألباني.
12- وعن عمر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه" رواه أبو داود برقم (3776)، وصححه الألباني.
13- وعن أنس رضي الله عنه قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر، فرأيته يأكل وهو مقع من الجوع" رواه أبو داود برقم (3773)، وصححه الألباني.
14- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط؛ إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه" رواه البخاري برقم (3370) ومسلم برقم (2064).
15- وعن حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، ولا تلبسوا الحرير ولا الديباج؛ فإنه لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة)) رواه البخاري برقم (5310).
16-  وعن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)) رواه ابن ماجه برقم (3349)، وصححه الألباني.
17- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسي أن يذكر الله في أول طعامه، فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره، فإنه يستقبل طعاماً جديداً، ويمنع الخبيث ما كان يصيب منه)) رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (10376)، وصححه الألباني.
18- عن حذيفة رضي الله عنه قال: "كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت تضع يدها في الطعام؛ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها)) رواه مسلم برقم (2017).
19- عن جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله، وأن يمشي في نَعْلٍ واحدة" رواه مسلم برقم (2099).
20- وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: ((كل بيمينك))، قال: لا أستطيع، قال: ((لا استطعت)) ما منعه إلا الكِبْرُ، فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم برقم (2021).
21- وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "كان صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ويَلْعَقُ يده قبل أن يمسحها" رواه مسلم برقم (2032).
22- وعن سلمى رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يؤخذ من رأس الطعام" رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (9139)، وحسنه الألباني.
23- وعن عمر بن أبي سلمة - ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: "كنت غلاماً في حَجْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلام: سمِ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك))، فما زالت تلك طعمتي بَعْدُ" رواه البخاري برقم (5061) ومسلم برقم (2022).
24- وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البركة تنـزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه)) رواه الترمذي برقم (1805)، وصححه الألباني.
25- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، وقال: ((إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان))، وأمرنا أن نسلت - السلت: المسح - الصحفة، وقال: ((إن أحدكم لا يدري في أي طعامه يبارك لهُ)) رواه أبو داود برقم (3847)، وصححه الألباني.
26- وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها كانت إذا ثردت غطته شيئاً حتى يذهب فوره، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه أعظم للبركة)) رواه أحمد برقم (27003)، قال شعيب الأرنؤوط: حديث حسن.
27- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه؛ فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين)) رواه أحمد برقم (9296)، قال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
28- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا طبخ أحدكم قِدراً فليكثر مرقها، ثم ليناول جاره منها)) رواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3591) وصححه الألباني.
30- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الثُّفْل" - والثفل: ثقل المرق -، رواه أحمد برقم (13323)، قال الأرنؤوط: حديث صحيح.
31- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل مع قوم تمراً فلا يقرن، فإن أراد أن يفعل فليستأذنهم، فإن أذنوا له فليفعل إن شاء)) القران: أن يأكل تمرتين معاً فأكثر. رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (261) وصححه الألباني.
32- وحدث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا))، أو قال: ((فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته))، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال: ((قربوها)) إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: ((كل فإني أناجي من لا تناجي)). رواه البخاري برقم (817)، ومسلم برقم (564).
33- وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه أبو داود برقم (4025) وحسنه الألباني.
34- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن)) رواه أبو داود برقم (3732)، وحسنه الألباني.
35- وعن أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: ((الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً غير مكفي ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا)) رواه البخاري برقم (5142).
36- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي)) رواه مسلم برقم (2715).
37- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند أناس قال: ((أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وتنزلت عليكم الملائكة)) رواه أحمد برقم (13108)، قال الأرنؤوط: صحيح.
38- وعن سويد بن النعمان رضي الله عنه قال: أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء وهي من خيبر، وهي أدنى خيبر؛ فصلوا العصر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بطعام فلم يؤت إلا بسويق، فلكنا فأكلنا وشربنا، ثم قام إلى الصلاة فتمضمض ومضمضنا وصلينا" رواه البخاري برقم (2819).
39- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)) رواه الترمذي برقم (1860)، وصححه الألباني.
رويدكم يا كرام قليلاً فإني آخذٌ بأزمة قلوبكم لأطوف بكم في رياض الهدي النبوي نستنشق عبيره، ونشتم نسيمه، ونتفيأ ظلاله، وحسبي أن أختزل الحديث عن روضة باسمة من سيرته، تأسركم فيها بديع شمائله، ورفيع سجاياه، تلك الروضة هي هديه في الأكل، ذلك الهدي الأمثل، والسمت الأكمل.
 
فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل أن لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً من الطعام، وما قُرِّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله؛ فهو طيب، والطيب لا يقبل إلا طيباً، لكن إن عافته نفسه تركه من غير تحريم، فإن أعوزه صبر حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، ويرى الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار.
 
آثر ما عند الله بنفس راضية، وقلب قنوع؛ وهو الذي لو شاء لأتته الدنيا بما حملت تجر خطاها إليه طواعية، ولما عرفت حياة التقشف وشظف العيش إليه طريقاً.
تُسكِتُ جوعه شربة لبن، أو حبة تمر، أو شربة ماء، فقد كانت مناجاة ربه، ولذيذ الافتقار إليه؛ تغني فؤاده عن الطعام والشراب، ما عرف عنه أنه عاب طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه، كان يحب القِثَّاء (الخيار)، والدُّبَّاء (القرع)، روى عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يتتبع الدباء من حوالي القصعة.
 
وربما وسع على نفسه أحياناً في شهي الطعام ولذيذه فثبت عنه أنه أكل ثريد اللحم ومدحه، وأحب الحلوى والعسل وفضلهما؛ كل هذا ليسوق لأمته منهجاً في إباحة التوسع أحياناً في متع الحياة، ومن رام غير هذا فقد عدل عن طريقه، وحاد عن تحقيقه، فماذا يقول غلاة المتزهدة، ومتقشفي المتصوفة؟
لكنه يا سادة: قليلاً ما توسع، وكثيراً ما تقشف؛ فقد خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير يومين متتالين، ولا تناول خبزاً مُرَقَّقاً، ولا طَعِم شاة مشوية حتى لقي الله، عزاؤه أن الدنيا دار مرور، والآخرة دار تفسح وانبساط ومقر.
 
ومن كريم نبله، وسمو نفسه؛ أنه كان لا يطيب له طعامه حتى يشاركه فيه أحد، وإن شئتم فاستعرضوا سيرته، واستلمسوا أنه لم يكن يُصنع له طعام إلا قال: هلموا بفلان وفلان، صلوات ربي وسلامه عليه.
لم يدع صاحب الرسالة العظمى محمد صلى الله عليه وسلم جانباً في حياة البشر إلا وترك بصمة فيه تتفق مع روح الشريعة الغرَّاء، وتنبثق من رسالة رب السماء.
 
ولما كان لنعمة الطعام أثر في حياة الإنسان؛ جاء الهدي النبوي فوضع لهذا المظهر الإنساني جملةً من الآداب التي ترفع من قيمة المسلم، وتحقّق له التميّز على بقيّة الشعوب والأمم، وأول ما يُذكر في هذا الباب هي القاعدة النبويّة العظيمة التي قرّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن، بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه...))، وإذا استقرأت سيرته، وتتبعت هديه في الطعام؛ وجدته كان موصوفاً بقلة الأكل، وهذا ما لا يُدفع من سيرته، وعليه حضَّ أمته وحثَّ.
 
كأني بك أخي القاري الكريم تتشوف لتعرف أكثر عما نقله عنه صحابته من ينابيع هديه في الأكل؛ لتعلم هديه فتقتدي وتأتسي، وإذا كان الأمر كذلك فأنا أدلك فقد كان من هدي حبيبك المصطفى، ونبيك المجتبى؛ أن يغسل يديه قبل الطعام وبعده يقول صلى الله عليه وسلم: ((من نام وفي يده ريح غَمَرٍ وأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)) والغَمَر: دسم اللحم وغيره.
 
فإذا قُربت إليه مائدته وضعها على الأرض فلم يأكل على خِوَانٍ - ما يوضع عليه الطعام - قط بأبي هو وأمي، ثم يجثو على ركبتيه عند الأكل، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، فإذا بدأ طعامه سمى الله تعالى على أوله - وهكذا كان شأنه في الأمر كله ذكر الله على لسانه في سائر شؤونه وأحواله -، فإذا ما تناول طعامه أخذه بأصابعه الثلاث، وهو أشرف ما يكون من الأكل، لأن الأكل بأصبع لا يستلذ به ولا يشبعه إلا بعد طول، والأكل بالخمس يوجب ازدحام الطعام، وينبئ عن الجشع والحرص، والأكل باثنتين أكلة المتكبرين .
 
ومن سمو هديه، وعظيم دله؛ ما أخبر عن نفسه بقوله: ((لا آكل متكئاً))، فإذا فرغ لعق أصابعه يلتمس البركة، ويصون النعمة، ويقول عند انقضائه: ((الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مَكْفِيٍّ، ولا مُوَدَّعٍ، ولا مُسْتَغْنىً عنه ربنا))، وأحياناً يقول: ((الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة))، وربما قال غيره، وكان يحب من الموائد ما تكاثرت عليه الأيدي.

إنه نبيك صلى الله عليه وسلم الأكمل هدياً، والأروع دَلاً؛ طابت سيرته، وطابت سريرته.

ما من منحى من مناحي الحياة إلا وتحدث الهادي الأعظم عنها، تأمل قليلاً في سيرته تجده قد تحدث عن اللباس والمنام، والصلاة والتشريع، والأدب وغيرها بما يشفي الغليل، ويروي العليل، وهذا لأن دين الإسلام دين تكامل وواقعية، يُعنى بشؤون الحياة، ويربأ بأتباعه عن التبعية في التصرفات؛ ولذا يضع القواعد والمنهجية لهم ليسيروا وفق منهج النبوة الهادي إلى الرب سبحانه.
 
ها هو يتحدث إلى أصحابه عن منحى من مناحي حياتهم: إنه طعامهم، فيسوق لهم توجيهات في مواقف متعددة، ومناسبات شتى؛ يقول لغلام كانت يده تطيش في الصحفة بحنان المعلم المربي: ((يا غلام: سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك))، فيوقفه بذلك عند آداب عدة بأسلوب الحكيم؛ لتبقى تلك طُعمته في الحياة، وفي مشهد آخر يُنبِّه من فاته قطار التسمية بلزومه في وقت ذكره إياه فيقول: ((فإن نسي أن يذكر اسم الله فليقل: باسم الله أوله وآخره)).
 
ومن كمال نصحه، وعظيم بره؛ أن يدلهم على ما يُكتب لهم بسببه البركة في موائدهم فتارة يأمرهم أن يمسحوا الصحفة، وتارة يطلبهم أن يأكلوا من حوالي القصعة، ويخبر أن ذلك به تُلتمس البركة، وينهاهم عن أمور ربما تذهب البركة، وتزري بالمروة؛ فينهاهم عن الأكل من وسط القصعة ومن أعاليها...، وعند الضيافة يحثهم على انتقاء الضيف: ((لا يأكل طعامك إلا تقي)).
 
يأتيه أصحابه شاكين من نازلة ألمت بهم؛ فهم لا يلتمسون البركة في طعامهم، فيعالج الموقف معهم بتوضيح سببه يقول: ((لعلكم تتفرقون))، ثم يدلهم على الحل ليعقلوه فيقول: ((اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله؛ يبارك لكم فيه)).
 
يلقنهم أدب الإيثار فيحثهم إذا ما صنعوا طعاماً في قِدْرٍ أن يكثروا مرقه، وأن يتعهدوا الجيران، هذه شريعته ناصعة رائعة قامت على نبذ الأَثَرَة، ومناوأة الانكفاء على الذات، تجده يغرس في قلوبهم تعظيم هذه النعم، والسعي في حفظها بقوله: ((إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان))، وكان إذا دعاه أحد من صحابته قَبِلَ دعوته، ويأكل من ولائمهم، فإذا ما انتهى دعا لصاحبها: ((أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة)).

فيا رعاك الله هذا هديه صلى الله عليه وسلم دل صحابته عليه، ولم يكن في منأى عنه؛ فاقتد تهتد .

1 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.